عدد سكان الجزائر 2025

عدد سكان الجزائر: نظرة ديموغرافية شاملة

تُعد الجزائر من أكبر دول القارة الإفريقية من حيث المساحة والسكان، وهي تحتل مكانة استراتيجية واقتصادية وسياسية في شمال إفريقيا والعالم العربي. يشكل التعداد السكاني في الجزائر عاملاً رئيسياً في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية للدولة، كما أنه يعكس تحولات سوسيولوجية وتاريخية عميقة. يتناول هذا المقال تحليلاً معمقًا لموضوع عدد سكان الجزائر، مع التطرق إلى تطوراته التاريخية، التوزيع الجغرافي، الهيكل العمري، الكثافة السكانية، والنمو الطبيعي، مع الاستعانة بالبيانات المحدثة حتى عام 2025.

التعداد السكاني في الجزائر عام 2025

بحسب أحدث البيانات الصادرة عن الديوان الوطني للإحصائيات بالجزائر، بالإضافة إلى تقديرات شعبة السكان بالأمم المتحدة (UN DESA)، يُقدّر عدد سكان الجزائر في منتصف عام 2025 بحوالي 46.3 مليون نسمة، مما يجعلها من بين أكثر الدول العربية والإفريقية سكانًا.

ويمثل هذا العدد زيادة واضحة مقارنة بعام 2020، حين بلغ عدد السكان حوالي 43.9 مليون نسمة، مما يدل على معدل نمو سكاني مستمر يقترب من 1.5% سنويًا. وتعكس هذه الزيادة عوامل متعددة منها معدلات الخصوبة، وتحسن مستوى الرعاية الصحية، وانخفاض معدلات الوفيات.

تطور عدد السكان عبر العقود

لرصد ديناميكيات النمو السكاني، نُقدم الجدول التالي الذي يلخص عدد سكان الجزائر في فترات زمنية مفصلية:

التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية

تُظهر الإحصائيات أن الكثافة السكانية في الجزائر تختلف بشكل كبير حسب الموقع الجغرافي. يُلاحظ أن السكان يتمركزون بكثافة في الشمال، خصوصًا في الولايات الساحلية مثل الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، عنابة، وتيزي وزو، حيث تتجاوز الكثافة في بعض المناطق 500 نسمة لكل كيلومتر مربع.

في المقابل، تُعد المناطق الجنوبية – خصوصًا الصحراء الكبرى التي تشكل أكثر من 80% من مساحة البلاد – شبه خالية من السكان، بكثافة لا تتجاوز 1 نسمة لكل كيلومتر مربع في بعض المناطق. ويرجع ذلك إلى قسوة المناخ، وندرة الموارد المائية، وصعوبة العيش في هذه المناطق.

الهيكل العمري والتركيبة السكانية

يُعد المجتمع الجزائري مجتمعًا شابًا، حيث تشكل الفئة العمرية أقل من 30 سنة حوالي 65% من السكان. وفيما يلي توزيع السكان حسب الفئات العمرية وفقًا لبيانات 2025:

• من 0 إلى 14 سنة: 30.1%

• من 15 إلى 24 سنة: 17.2%

• من 25 إلى 54 سنة: 42.3%

• من 55 إلى 64 سنة: 5.1%

• 65 سنة فأكثر: 5.3%

وتُظهر هذه الأرقام أن الجزائر تواجه تحديًا ديموغرافيًا يتمثل في توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحة، وفرص العمل لفئة عمرية واسعة من الشباب، مما يحتم وضع سياسات فعالة لاستيعاب هذا الزخم البشري وتوجيهه نحو التنمية المستدامة.

النمو الطبيعي ومعدلات الخصوبة والوفيات

تُعد معدلات الخصوبة في الجزائر من أعلى المعدلات في منطقة المغرب العربي، رغم أنها شهدت انخفاضًا تدريجيًا منذ ثمانينيات القرن العشرين. وتشير البيانات الحالية إلى أن معدل الخصوبة يبلغ حوالي 2.9 طفل لكل امرأة، بعد أن كان يتجاوز 6 أطفال في السبعينيات.

أما معدل الوفيات، فقد انخفض بفضل تحسينات الرعاية الصحية وتوسع الخدمات الطبية، ويُقدر بحوالي 4.7 حالة وفاة لكل 1000 نسمة سنويًا، فيما يبلغ معدل المواليد 21.5 لكل 1000 نسمة، ما يؤدي إلى معدل نمو طبيعي إيجابي يُقارب 1.5%.

التحضر والهجرة الداخلية

أدى التحول الحضري السريع في الجزائر إلى انتقال عدد كبير من السكان من المناطق الريفية إلى المدن الكبرى. تُقدر نسبة السكان الحضريين في 2025 بحوالي 75% من إجمالي السكان، مقابل 25% فقط في المناطق الريفية. وقد أدى هذا إلى توسع عمراني كبير، ونشوء أحياء جديدة، وضغوط متزايدة على البنية التحتية.

كذلك فإن ظاهرة الهجرة الداخلية، خاصة من الجنوب نحو الشمال، ومن الشرق نحو الغرب، ساهمت في تركّز السكان في مناطق معينة، وأدت إلى اختلالات في التوزيع الجغرافي، تستدعي تدخلات حكومية متوازنة.

التحديات المستقبلية المتعلقة بالنمو السكاني

يرتبط النمو السكاني في الجزائر بجملة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من أبرزها:

1. البطالة: مع زيادة عدد السكان، يتعين على الدولة توفير ما يقارب نصف مليون وظيفة جديدة سنويًا لمواكبة الداخلين الجدد إلى سوق العمل.

2. الإسكان: الضغط المتزايد على السكن الحضري دفع إلى تفاقم أزمة السكن، رغم مشاريع الإسكان الاجتماعي الضخمة التي أطلقتها الدولة.

3. الصحة والتعليم: يجب توسيع الخدمات الصحية والتعليمية لمواكبة الطلب المتزايد، مع التركيز على جودة الخدمة وليس فقط كميتها.

4. الضغط على الموارد الطبيعية: ارتفاع الاستهلاك السكاني يفاقم من الضغط على الماء والطاقة والغذاء، مما يفرض الحاجة إلى سياسات استدامة قوية.

5. التوازن الديموغرافي: الحاجة إلى ضبط النمو السكاني بما يتماشى مع قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية.

التحولات السكانية في سياق التنمية المستدامة

في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي أقرتها الأمم المتحدة، فإن التركيبة السكانية في الجزائر تفرض ضرورة دمج البُعد الديموغرافي ضمن السياسات التنموية. فارتفاع نسبة الشباب يمكن أن يتحول إلى “عائد ديموغرافي” في حال تم توجيهه نحو التعليم المهني، وريادة الأعمال، والاقتصاد الرقمي.

كما يجب أن تُؤخذ قضايا النوع الاجتماعي، وتمكين المرأة، والرعاية الصحية الإنجابية بعين الاعتبار، بهدف تحقيق استقرار سكاني مستقبلي وتعزيز جودة الحياة للمواطنين.

نظرة مقارنة: الجزائر في السياق الإقليمي والدولي

عند مقارنة عدد سكان الجزائر مع الدول المجاورة، يتضح ما يلي:

• المغرب: يبلغ عدد السكان حوالي 38 مليون نسمة، أقل من الجزائر بحوالي 8 ملايين.

• تونس: تقارب 12.5 مليون نسمة.

• ليبيا: لا تتجاوز 7 ملايين نسمة.

• مصر: تفوق 110 ملايين نسمة، وهي الأكبر عربيًا.

عربيًا، تُعد الجزائر في المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان بعد مصر والسودان. أما إفريقيًا، فتأتي في المرتبة التاسعة تقريبًا، بعد دول مثل نيجيريا، إثيوبيا، مصر، الكونغو الديمقراطية، جنوب إفريقيا، تنزانيا، كينيا، والسودان.

خاتمة تحليلية

عدد سكان الجزائر يعكس ديناميكية ديموغرافية نشطة، تحمل في طياتها فرصًا وتحديات معقدة. إن إدارة هذا النمو البشري تتطلب رؤية استراتيجية متكاملة ترتكز على العدالة المجالية، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتطوير التعليم والتكوين، والاهتمام بالشباب والمرأة. فقط من خلال هذه المقاربات المتعددة الأبعاد يمكن للجزائر تحويل نموها السكاني إلى مصدر قوة وبناء مستقبل أكثر ازدهارًا.

المراجع:

• الديوان الوطني للإحصائيات (ONS)، الجزائر

• شعبة السكان بالأمم المتحدة (UN DESA)، World Population Prospects 2024